عهد العثمانيين
كان أهم ما بدأ به حكام الدولة العثمانية هو إحكام تحصين المدينة و ذلك لقدسيتها ليس فقط عند المسلمين بل وعند الديانات الأخرى. فأمر السلطان القانوني بترميم أسوار القدس و بناء أبواب تتخلل تلك الأسوار، منها باب المغاربة، و أمر كذلك بإصلاح قبة الصخرة من الخارج، و رممت كبقة الفسيفساء التي كانت تغطي القبة.
كما وضع الرخام الأبيض من الداخل في نضفها السفلي و القاشاني الزرق في نصفها العلوي الذي كتب فيه سورة يس بالأبيض و عمر الباب الغربي للقبة. كما أمر السلطان بتعمير جدران و أبواب المسجد القدسي الشريف و إغلاق الباب الذهبي للمسجد و استبداله بباب ستنا مريم. و عام 1538 م بنى محراب النبي داود غربي الصخرة من جهة الشمال بينها و بين قبة المعراج، و أمر بإزالة الأوساخ من أسفل حائط البراق و زاد من ارتفاعه. و في عهد السلطان محمد الرابع أنشئ المصلى الواقع إلى جانب السبيل المسمى بسبيل شعلان في ساحة الحرم القدسي الشريف عام 1651 م.
و عرفت المدينة أعواما من عدم الاستقرار بسبب بعض الثورات التي كانت تحدث و خصوصا الفوضى التي وقعت بين النصارى الأرثوذكس و اللاتينيين، مما أدى إلى إهمال بعض الخلفاء العثمانيين للاهتمام بشؤون بيت المقدس. و قد رمم سليمان باشا المسجد الأقصى، و غير سقوف المسجد الثلاثة و الرفوف و سقوف الأروقة كلها إلى غير ذلك. و قد صرف جزءا كبيرا من تكلفة الترميم من جيبه الخاص بعدما لم يستجب السلطان لطلبه بالمساعدة في مصاريف الأعمال. و في سنة 1840م، أصدر محمد علي باشا أمره بمنع اليهود من تبليط حائط البراق و رفع أصواتهم فيه، و ممارستهم للزراعة أو شراء الأراضي الزراعية، كما وافق على إنشاء مجلس شورى لمدينة القدس للنظر في أمورها. و من أهم المشروعات العمرانية في العهد العثماني الترميم الذي قام به السلطان عبد المجيد خان لقبة الصخرة بإشراف مهندس أرمني خبير. و تم إنفاق أموال طائلة تزيد عن تسعين ألف ليرة في العهود التي تلت من أجل عمارة و زخرفة البيت المقدس و حرمه. و كان السلطان عبد الحميد الثاني من رفض بيع أراضي فلسطين للهرتزل لتأسيس دولة قومية لليهود مقابل أموال طائلة. و كانت بداية إعلان الجهاد في الحرب العالمية الأولى من بيت المقدس حيث جرى احتفال كبير بدأ من المدينة المنورة، و أخرجت راية تمثل راية النبي بما يليق بها من احترام و تبجيل، ثم نقلت إلى بيت المقدس، و أقيم احتفال كبير في ساحة المسجد الأقصى اختتم بالصلاة فيه.
عهد الاحتلال البريطاني:
في الوقت الذي أغار البريطانيون على القدس, كان الدفاع العثماني ضعيفا في آسيا الغربية، إذ أن العراق بأكملها كانت قد سقطت في أيدي الغزاة. و في 9 ديسمبر 1917 حمل مفتي القدس و رفقة من أصحابه شارة بيضاء لتسليم القدس إلى البريطانيين بسبب قوتهم العسكرية و ضغوط الحرب، فدخلوا بقيادة الجنرال اللنبي بيت المقدس في 11 ديسمبر 1917م، و حاول طمأنة العرب بقدسية المكان عند الديانات الثلاث و حفاظهم عليه. ثم حاول الحاكم العسكري البريطاني العام في القدس ستورز إقناع زعماء القدس ببيع ممر يؤدي إلى حائط البراق مقابل ثمانين ألف جنيه التي اقترح أن تستعمل لإصلاح الخراب الذي وقع بقبة الصخرة. لكن زعماء المسلمين بالقدس رفضوا، ثم عرض عليهم بيع حائط البراق، فكان الرد أيضا بالنفي. فتمادت أطماع اليهود حيث قدموا طلبا رسميا إلى بولز الحاكم العسكري البريطاني العام على فلسطين بتسليمهم المسجد الأقصى كاملا.
و مع استمرار سياسة تهويد الأرض التي نهجتها قوات الانتداب البريطاني بشراكة مع المنظمات الصهيونية، قامت مظاهرات عدة شملت جميع بقاع التراب الفلسطيني، كان من أكبرها الثورة التي انطلقت ردا على تنظيم الوكالة اليهودية تجمعا للصلاة في حائط البراق للمطالبة بإعادة بناء الهيكل عام 1929، كما عقد مؤتمر قبل ذلك بسنة حضره ممثلون عن العالم الإسلامي قرروا فيه ألا حق لليهود في مكان البراق أو امتلاكه أو تغيير أي شيء فيه.
و ألقى الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود أبيات شعرية أمام الأمير سعود عبد العزيز حين مجيئه إلى القدس قال فيها:
" المسجد الأقصى، أجئت تزوره أم جئت من قبل الضياع تودع"
المسجد الأقصى في ظل الاحتلال الصهيوني
في 22 غشت/أغسطس من العام 1948، قصف اليهود المسجد القدسي بقذيفتين أحدهما سقط بجانب حائط البراق و الأخرى سقطت على سطح المسجد الأقصى. ثم قصفوه للمرة الثالثة في اليوم الموالي حيث سقطت القنابل على قبة الصخرة. و في قصف اليهود لأحياء مدينة القدس، سقطت بعض القذائف على المسجد الأقصى.
و في أبريل من العام التالي قسمت هيئة الأمم القدس إلى ثلاثة أقسام:
1.القدس العربية و هي القدس القديمة، تضم المسجد القدسي و معظم المساجد و الأماكن الدينية المسيحية بمساحة تقدر ب 11,48 في المائة من مجمل مساحة القدس آنذاك
2.القطاع اليهودي بمساحة تقدر ب 84,13 في المائة من مجمل مساحة القدس آنذاك
3.القطاع الدولي بمساحة تقدر ب 4,39 في المائة من مجمل مساحة القدس آنذاك.
و احتل اليهود ما تبقى من الأراضي المقدسية عام 1967، واجتمع كبراءهم عند حائط البراق فورا بعد دخولهم المدينة كما ألحقوا أضرارا بالمسجد الأقصى نتيجة القصف العشوائي و دخلوه بطريقة خليعة مما أدى إلى اشتباك بعض المسلمين مع جنود اليهود. و أمر رئيس حاخامات العدو في غشت عام 1967 بإقامة الصلاة اليهودية في بيت المقدس من أجل هيكلهم.
و كمحاولة للفت أنظار العالم إليهم و طمعا للاستيلاء على المسجد الأقصى و بناء الهيكل مكانه، قام جماعة من اليهود الأوروبيين في 18 غشت 1969 بزيارة حائط البراق و المسجد الأقصى، و أقاموا طقوسهم الدينية حول الصخرة. و توجوا وحشيتهم بمحاولة إحراق المسجد الأقصى على الساعة السابعة من يوم الخميس 21 غشت 1969، حيث التهمت النيران منبر نور الدين زنكي الذي صنعه عام 1168م في حلب، لينقله صلاح الدين الأيوبي إلى المسجد الأقصى عام 1187م، كما أحرقت القبة الخشبية الداخلية للمسجد بزخرفتها و ما فيها من فن إسلامي مصنوع من خشب الأبانوس المطعم بالفضة دون استخدام المسامير في الخشب، و دمر الجانب الشرقي من المسجد الأقصى المعروف بجامع عمر بن الخطاب و محراب صلاح الدين إضافة إلى العديد من التحف التي لا تقدر بثمن.
وقام اليهود بحفريات حول الحائطين الغربي و الجنوبي للمسجد القدسي، مما أدى إلى اختراق أساسات المسجد الأقصى والأروقة المجاورة للمسجد القدسي في أربعة مواقع بعمق 20 مترا: أسفل محراب المسجد الأقصى وأسفل جامع عمر بن الخطاب والجناح الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى وتحت الأبواب الثلاثة للأروقة الواقعة في أسفل المسجد الأقصى، و تحت الأروقة الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى. فقامت الهيئة الإسلامية في القدس بمطالبة سلطات الاحتلال بإغلاق الفجوات و إيقاف الحفر دون جدوى. فقامت الهيئة و إدارة الأوقاف الإسلامية بكشف أخطار الحفريات الإسرائيلية فأصدرت أربع وثائق، تضم الأولى تقريرا لمهندس الأوقاف في القدس فيه تفصيلات للحفريات، و تقرير آخر حول الحفريات جنوبي المسجد الأقصى، و مذكرة احتجاج و استنكار شديدة اللهجة، أما التقرير الأخير فرفعه مهندس الأوقاف لمدير الأوقاف حول بطء عملية إغلاق الفجوات.
كما أقدم اليهود على إخلاء الأماكن المتواجدة حول المسجد الأقصى و إجلاء عدد كبير من السكان. و بسبب عبث اليهود في بحثهم عن الآثار التاريخية في مناطق السجد القدسي الشريف، تصدعت جدران المسجد الأقصى و قواعده و غيره من المباني الدينية القائمة في ساحة المسجد القدسي. كما ظل العدو يضع العراقيل أمام ترميم المنشات الدينية في القدس الشريف.
javascript:emoticonp(':%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85:')