المطلب الأول : ترجمة الإمام مالك بن أنس
ولد الإمام مالك عام 93 هـ ، وهو العام الذي مات فيه سيدنا أنس بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 179 هـ
ب- نسبه:
هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري، وأمه هي العالية بنت شريك الأزدية، و جده مالك من كبار التابعين ، روى عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت .. وأما جده الأعلى أبو عامر فهو صحابي جليل.
ت- أبناؤه:
ولد للإمام ملك ابنان هما: يحي ومحمد ، وبنت واحدة اسمها فاطمة وكانت ممن يحفظون علمه.
ث- نشأته وتلقيه العلم:
ولد مالك بالمدينة المنورة، ونشأ في بيت علم وشرف ، فقد كان أخوه النضر مشتغلا بالعلم ملازما للعلماء ، حتى كنى به مالك فكان يقال له: (أخو النضر) لشهرة أخيه. بدأ مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التي نشأ فيها وتبعا لتوجيه أمه ، ولولعه بالعلم يروى أنه نقض سقف بيته ليبيعه ويطلب به العلم ، حفظ القرآن الكريم ثم اتجه لحفظ الحديث ، فلازم في البداية ابن هرمز (المتوفى سنة 148 هـ) سبع سنين لم يخلطه بغيره، وقال رحمه الله : " كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل ". وبعد ذلك اتجه مالك إلى نافع مولى عبد الله بن عمر، فجالسه وأخذ عنه علما غزيرا ، وقد اشتهر أن أصح الأحاديث هي المروية (عن مالك عن نافع عن ابن عمر). كما أخذ مالك عن ابن شهاب الزهري، وهو أول من دون الحديث[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، وقد روى عنه مالك في موطئه 132 حديثا. كما أخذ عن الإمام جعفر الصادق من آل البيت وأخرج له في موطئه 9 أحاديث ، وكذلك روى عن هشام بن عروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، ويحي بن سعيد القطان الأنصاري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي، ومن أقرانه الأوزاعي والثوري والليث بن سعد، وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين ، و600 من أتباع التابعين ، وتحلق الناس عنده لطلب العلم وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يفتي إلا بعدما استشار سبعين عالما من علماء المدينة وهو ابن أربعين سنة.
ج- بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بـه
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة أنه قال: " ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلمَ من عالِم المدينة .[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" وقد قال غير واحد بأنه مالك بن أنس، وذلك لأنه لم يسمى أحد غيره بعالم المدينة ، ولم تضرب أكباد الإبل إلا إليه.
ح- تحريه في العلم والفتيا:
يروى أنه لما ذكرت الموطآت أمام مالك ، وقيل له: "إن غير واحد من العلماء قد صنع موطئا كموطئك" ! قال: " دعوهم ، فلن يبقى إلا ما أريد به وجه الله". ولهذا كان يتحرى تحريا دقيقا في الفتوى عند التحمل وعند الأداء ، فكان يسأل في العدد الكثير من المسائل ولا يجيب إلا في القليل ، وكان يفكر في المسألة سنين فما يتفق فيها على رأي، وكثيرا ما كان يتبع فتواه بالآية الكريمة "إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين" (الجاثية 31). وكان لا يحدث إلا عن ثقة ، وكان إذا شك في الحديث طرحه.
خ- توقيره للعلم وللأحاديث النبوية:
كان من توقيره للعلم لا يحدث إلا على طهارة ، ولا يحدث أو يكتب حديثا واقفا ، وكان لا يفضل على المدينة بقعة سواها.
د- مواهبه وصفاته:
حبا الله مالكا بمواهب شتى حتى أصبح الإمام الذي لا يُفتى وهو في المدينة ، ومن مواهبه:
1) الحفظ :عرف عنه أنه قوي الحافظة ، فكان يحفظ أكثر من 40 حديثا في مجلس واحد.
2) الصبر والجلد: صبر مالك على البلاء ، وقد جلده الحاكم ونكل به عندما أفتى بعدم صحة طلاق المكره ، فلم يتراجع عن رأيه، ثم بعد ذلك عفا عن الحاكم ورفض أن يُقتص له منه.
3) قوة الفراسة: اتصف الإمام مالك بقوة الفراسة، ولقد قال الإمام الشافعي في فراسته: "لما سِرتُ إلى المدينة ولقيت مالكاً وسمع كلامي، نظر إلي ساعةً، وكانت له فراسة، ثم قال لي: "ما اسمك؟"، قلت: "محمد"، قال: "يا محمد، اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن". ولقد قال أحد تلاميذه: "كان في مالك فراسةٌ لا تخطئ".
ذ- صفته الشكلية:
كان الإمام مالك طويلاً جسيماً ، شديد البياض إلى الشقرة ، عظيم الهامة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، حسن الصورة ، أصلع، أعين[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، أشم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ، أزرق العينين. قال عيسى بن عمر المدني: "ما رأيت بياضاً قط أحسن من وجه مالك ، وكان عظيم اللحية عريضها ". وكان ربعةً من الرجال ، وكان يأخذ أطراف شاربه ولا يحلقه ولا يحفيه ، ويرى حلق الشارب مُثلة ، ويترك له سبلتين طويلتين، ولم يكن يخضب شعره ، وقد ذَكر أحمد بن حنبل عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت مالكاً بن أنس لا يخضب فسألته عن ذلك فقال: "بلغني عن عليرضي الله عنه أنه كان لا يخضب".
[/b] ر- مؤلفـــــاته:
له مؤلفات عديدة ، نذكر منها :
1) الموطأ :وهو أهم مؤلفاته وأجل آثاره ، اشتغل في تأليفه ما يقارب من 40 سنة. وهو الكتاب الذي بلغت شهرته الآفاق ، واعترف له الأئمة بالسبق على كل كتب الحديث في عهده وبعد عهده إلى عهد الامام البخاري. وقال الإمام الشافعي: "ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك"، وهذا القول قبل ظهور صحيح البخاري. وقال البخاري "أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر"، وكان البخاري يسمي هذا الإسناد بالسلسلة الذهبية ، وكثيرا ما ورد هذا الإسناد في الموطأ. وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: "الموطأ هو الأصل واللباب ، وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي."
2) مجموعة رسائل فقهية :رويت عنه رسائل فقهية بلغت نحو 36 ألف مسألة، وسميت بالمدونة الكبرى. وله مؤلفات أخرى غيرها.
ز- منهجيته في الموطأ:
التزم مالك في كتابه شروطا من أوثَق الشروط وأشدِّها، فقد كان يسلك منهج التحري والتوخي وانتقاء الصحيح. كما اتبع فيه طريقة المؤلفين في عصره، فمزج الحديث بأقوال الصحابة والتابعين والآراء الفقهية، حتى بلغت آثار الصحابة 613 أثرا، وأقوال التابعين 285 قولا، فكان يقدم في الباب الحديث المرفوع ثم يُتْبعه بالآثار، وأحيانا يذكر عمل أهل المدينة... فكتابه كتاب فقه وحديث في وقت واحد، وليس كتاب جمع للروايات فقط، لذلك تجد بعض الأبواب تخلو من المرويات ، ويتكون كتاب «الموطأ» من 16 فصلا سمّاها مالك بالكتاب، يبدأ بكتاب أوقات الصلاة ، وينتهي بكتاب أسماء النبي صلى الله وعليه وسلم، وقد سمي «الموطأ» بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس، بمعنى أنه هذَّبَه ومهَّدَه لهم. ونُقِل عن مالك أنه قال: «عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطَأَنِي عليه، فسميته الموطأ». ومكث الإمام مالك أربعين سنة يقرأ «الموطَّأَ» على الناس، فيزيد فيه وينقص ويُهذِّب، فكان التلاميذ يسمعونه منه أو يقرؤونه عليه خلال ذلك، فتعددت روايات «الموطأ» واختلفت، بسبب ما قام به الإمام من تعديل على كتابه، فبعض تلاميذه رواه عنه قبل التعديل، وبعضهم أثناءه، وبعضهم رواه في آخر عمره، وبعضهم رواه كاملا، وآخرون رووه ناقصا، فاشتهرت عدة روايات لـ«الموطأ»، أهمها رواية يحيى بن يحيى الليثي ، وهي أشهر رواية عن الإمام مالك، وعليها بنى أغلب العلماء شروحاتهم.
س- تلامذته
كان تلاميذه من شتى بقاع الأرض؛ لأنه كان مقيماً بالمدينة المنورة ، وكان الحجاج يذهبون لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فيجلسون نحوه يتعلمون منه العلم، فمنهم من كان يطول به المقام عنده ومنهم من كان يقصر به المقام، ولأنه كان معمراً فقد عاش تسعين عاماً. وأحصى له الذهبي ما يزيد عن ألف وأربعمائة تلميذ:
v ومن أشهر تلامذة مالك المصريين:
1) أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم (المتوفى بمصر عام 191 هـ)، تفقه على مالك مدة عشرين سنة، وتفقه على الليث بن سعد فقيه مصر (المتوفى عام 175 هـ)، كان مجتهداً مطلقاً ، حتى قال عنه يحيى بن يحيى: " أعلم الأصحاب بعلم مالك، وآمنهم عليه " ، وهو الذي نظر وصحح ( المدوَّنة ) في مذهب مالك.
2) أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم (ولد عام 125 وتوفي سنة 197 هـ) ، لازم مالكاً عشرين سنة، ونشر فقهه في مصر، وكان له أثر في تدوين مذهبه، وكان مالك يكتب إليه: "إلى فقيه مصر" و "إلى أبي محمد المفتي". وتفقه أيضاً على الليث بن سعد، وكان محدثاً ثقة ، وكان يسمى ( ديوان العلم ).
3) أشهب بن عبد العزيز القيسي (ولد في السنة التي ولد فيها الشافعي وهي سنة 150هـ، وتوفي سنة 204 هـ) بعد الشافعي بثمانية عشر يوماً، تفقه على مالك والليث بن سعد، وانتهت إليه رياسة الفقه بمصر بعد ابن القاسم، وله مدونة روى فيها فقه مالك تسمى ( مدونة أشهب ) وهي غير مدونة سحنون. قال عنه الشافعي: "ما رأيت أفقه من أشهب".
4) أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى عام 214 هـ) أعلم أصحاب مالك بمختلف أقواله، وإليه صارت رياسة المالكية بعد أشهب.
5) أصْبَغ بن الفرج الأموي ولاءً (المتوفى عام 225هـ) تفقه على ابن القاسم وابن وهب وأشهب السابق ذكرهم، وكان من أعلم خلق الله بمذهب مالك ومسائله.
6) محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى عام 268هـ)، أخذ الفقه والعلم عن أبيه، ومن عاصره من الفقهاء المالكيين السابق ذكرهم، كما أخذ عن الشافعي، حتى صار علماً في الفقه، وانتهت إليه الرياسة والفُتيا بمصر.
7) محمد بن إبراهيم الاسكندري بن زياد، المعروف بابن الْمَوَّاز، (والمتوفى عام 269هـ)، أخذ الفقه عن علماء عصره، حتى صار راسخاً في الفقه والفتيا، وله كتابه المشهور بالموازية، وهو أجل كتاب ألفه المالكيون، وأصحه مسائلا، وأبسطه كلاماً وأوعبه، بنى فيه الفروع على الأصول[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
v ومن أشهر تلامذة مالك المغاربة:
1- أبو الحسن علي بن زياد التونسي،(المتوفى عام 183هـ) ، أخذ عن مالك والليث بن سعد، وكان فقيه إفريقية.
2- أبو عبد الله زياد بن عبد الرحمن القرطبي (المتوفى عام 193) يلقب بشبْطون، سمع الموطأ عن مالك، وكان أول من أدخله الأندلس.
3- عيسى بن دينار القرطبي الأندلسي، (المتوفي عام (212هـ )، كان فقيه الأندلس.
4- أسد بن الفرات بن سنان التونسي، أصله من خراسان من نيسابور (ولد عام 145، وتوفي عام 213هـ) وقد مات شهيداً بسرقوسة، إذ كان أمير الجيش الذي ذهب لفتح صقلِّية، وكان عالماً فقيهاً، مجاهداً يقود الجيوش، وجمع بين فقه المدينة، إذ سمع الموطأ من مالك ، وفقه العراق إذ لقي أبا يوسف ومحمد بن الحسن، وله كتاب (الأسدية) التي هي الأصل لمدونة سحنون.
5- يحيى بن يحيى بن كثير الليثي (المتوفى عام 234 هـ) أندلسي قرطبي، نشر مذهب مالك في الأندلس.
6- عبد الملك بن حبيب بن سليمان السُّلَمي (المتوفى عام 238هـ)، انفرد برياسة الفقه المالكي بعد يحيى المذكور آنفاً.
7- سَحنون، عبد السلام بن سعيد التَّنُوخي (المتوفى عام 240هـ) تفقه بعلماء مصر والمدينة، حتى صار فقيه أهل زمانه، وشيخ عصره، وعالم وقته، وهو صاحب ( المدونة ) في مذهب مالك التي يعتمد عليها المالكية.
v ومن أشهر تلامذة مالك الذين نشروا مذهبه في الحجاز والعراق:
1) أبو مروان عبد الملك بن أبي سَلَمة الماجِشون (المتوفى عام 212هـ) كان مفتي المدينة زمانه، وقيل: إنه كتب (موطأ) قبل مالك.
2) أحمد بن الْمُعَذَّل بن غيلان العبدي معاصر ابن الماجشون ومن أصحابه، كان أفقه أصحاب مالك في العراق، ولم يعرف تاريخ وفاته.
3) أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق،القاضي (المتوفى عام 282هـ) أصله من البصرة، واستوطن بغداد، تفقه على ابن المعذل، السابق الذكر، ونشر مذهب مالك في العراق.
المطلب الثاني : نشأة المذهب المالكي وتطوره
المذهب: لغة: مكان الذهاب وهو الطريق. واصطلاحاً: هو : "هو المسلك الذي يسلكه الفقيه في استنباط الأحكام من أدلتها ، والأصول التي يعتمدها في ذلك ، والمسائل الفرعية التي تتفرع عن تلك الأصول ".
أولا : طور النشأة :
v ويبدأ هذا الطور من ظهور المذهب المالكي على يد مؤسسه الإمام مالك ، وينتهي بنهاية القرن الثالث الهجري الذي توج بنبوغ عالم العراق القاضي إسماعيل ابن إسحاق (المتوفى سنة 282هـ).
v وقد تميز هذا الطور بوضع أسس المذهب وجمع سَمَاعات الإمام والروايات عنه وتدوينها وتنظيمها في مؤلفات معتمدة ، وفي هذا الطور ظهرت المدارس الفقهية التي أثرت المذهب المالكي.
ومن أهم مؤلفات هذا الطور :
-1 المدونة للإمام سحنون. 2- الأسدية لأسد بن الفرات. 3-الواضحة لابن حبيب. 4-الموازية لابن المواز. 5-المبسوط للقاضي إسماعيل. 6-المجموعة لابن عبدوس.
ثانيا : طور التطور :
v ويبدأ هذا الطور من بداية القرن الرابع الهجري ويستمر إلى نهاية القرن السادس الهجري وبداية القرن السابع الهجري بوفاة الفقيه ابن شاس .
v وأهم ما يميز هذا الطور هو عكوف فقهاء هذه المرحلة على دراسة الأمهات والدواوين؛ لفك رموزها والترجيح بين رواياتها، وتأصيل مسائلها ،وجعل منهج للترجيح بين الأقوال والروايات ، وقد كان هذا المنهج مبنيا على القاعدة التالية :
v قول مالك في الموطأ.
v قول مالك في المدونة.
v قول ابن القاسم في المدونة.
v قول ابن القاسم في غير المدونة .
v قول غير ابن القاسم في المدونة.
v قول غير ابن القاسم من أهل المذهب خارج المدونة.
v ونلاحظ على هذه القاعدة أنها جعلت الموطأ في أول الكتب المعتمدة ثم من بعدها المدونة وباقي الأمهات والدواوين .
ومن أهم المؤلفات في هذه المرحلة:
v -1الرسالة لابن أبي زيد القيرواني .2- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد . 3- المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات لابن رشد الجد. 4- المنتقى للباجي.
ثالثا : طور الاستقرار:
v وهذا الطور يبدأ من بداية القرن السابع الهجري ويستمر إلى العصر الحاضر ، وقد استقر فيه المذهب واقتصر فيه التأليف على الشروح والاختصارات والحواشي، وأصبحت فيه قاعدة ترتيب الترجيح بين الروايات والأقوال كالآتي:
v قول الإمام الذي رواه ابن القاسم في المدونة.
v قول الإمام الذي رواه غير ابن القاسم في المدونة.
v قول ابن القاسم في المدونة.
v قول غير ابن القاسم في المدونة.
v قول الإمام الذي رواه ابن القاسم في غير المدونة.
v قول الإمام الذي رواه غير ابن القاسم في غير المدونة.
v أقوال علماء المذهب .
v وفي هذا الطور اختفت مدرسة العراق والمدينة ومدرسة الأندلس، وامتازت مدرسة مصر والمغرب، وظهر ذلك جليا في كتاب مختصر خليل الذي اعتمد فيه على ثلاثة فقهاء من المغرب من جملة أربعة فقهاء بنى على اختيارهم مختصرة وهم : اللخمي ، وابن يونس ، والمازني ، والرابع هو الشيباني.
المطلب الثالث : أصول المذهب المالكي
نحاالإمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في الأصول التي بنى عليها اجتهاده، واتخذت بعده أساسا لمذهبه، والأصول اعتمد عليها مالك في فقه نوعان [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] :
أ- الأصول النقلية:
1 - القرآن : يلتقي الإمام مالك مع جميع الأئمة المسلمين في كون كتاب الله عز وجل هو أصل الأصول، ولا أحد أنزع منه إليه، فكان يستدل بنصه و ظاهره ، ويعتبر السنة تبيانا له.
2- السنة: : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وقد سار مالك في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين قبله ، غير أنه ربما عمم في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور، وهو بهذا المعنى يعطي لعمل اهل المدينة وإجماعهم مكانة خاصة ، كما جعل من قبيل السنة فتاوى الصحابةو كبار التابعين الآخذين عنهم كسعيد بن المسيب و ابن شهاب الزهري ونافع ، ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية ، كبقية كبقية الفقهاء السبعة.
2. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: عمل اهل المدينة : وهو من الأصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه الأحكام والفتاوى، وقد قسّم الإمامالباجي عمل اهل المدينة إلى قسمين:
* قسم طريقه النقل ويحمل معنى التواتر كمسألة الآذان، ومسألة الصاع، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل والرواية ، و لا مجال فيها للرأي والاستدلال ، وهذا يحتج به مالك وينزله منزلة الخبر المتواتر.
* وقسم نقل عن طريق الآحاد، أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد، وهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة وغيرهم، فالمعول عليه في ذلك ما عضده الدليل والترجيح ، ولذلك خالف [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أقوال أهل المدينة في مسائل عدة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
3- الاجماع: كان مالكًا أكثر الأئمة الأربعة ذكرا للإجماع واحتجاجا به، والموطأ خير شاهد على ذلك، ويظهر مدلول كلمة الإجماع عنده من قوله : "وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه".
4. شرع من قبلنا: ذهب مالك إلى أن : "شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ". وسيأتي الحديث عن ذلك في المطلب الموالي.
ب- الأصول العقلية:
كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز يختلف عن منهج الفقهاء الآخرين، فهو وإن كان يمثل مدرسة أهل الحديث في المدينة ويقود تيارها، إلا أنه كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه، وربما توسع فيه أكثر مما توسع فيه غيره من فقهاء الرأي في العراق، ومن الأصول العقلية المعتمدة في المذهب المالكي:
1- القياس: وهو إلحاق واقعة لم يرد في حكمها نص ، بواقعة قد وقع في حكمها نص ؛ لاشتراكهما في العلة ، كإلحاق النبيذ بالخمر في الحكم ؛ لاشتراكهما في علة التحريم ، وهي: الإسكار.
2- الاستحسان [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] : اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم: "ترك القياس والأخذ بما هو أرفق بالناس" إشارة إلى أصل الاستحسان؛ لأن الاستحسان في المذهب المالكي إنما لدفع الحرج الناشئ عن اطراد القياس.
4- سد الذرائع: وهو أصل من الأصول التي أكثر مالك الاعتماد عليه في اجتهاده الفقهي، ومعناه المنع من الذرائع، وهو ترك ما يجوز لئلا يؤدي إلى ما لا يجوز ، أو ترك المصلحة المؤدية إلى المفسدة..
5. العرف والعادة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: إن العرف أصل من أصول الاستنباط عند مالك، وقد انبنت عليه أحكام كثيرة؛ لأنه في كثير من الأحيان يتفق مع المصلحة ، والمصلحة أصل بلا نزاع في المذهب المالكي.
6. الاستصحاب: كان مالك يأخذ بالاستصحاب كحجة، ومؤدى هذا الأصل هو بقاء الحال على ما كان حتى يقوم دليل يغيّره.
7. قاعدة:مراعاة الخلاف: من بين الأصول التي اختلف المالكية بشأنها "قاعدة مراعاة الخلاف"، فمنهم من عدها من الأصول ومنهم من أنكرها، ومعناها - كما قال ابن عرفة - :"إعمال دليل في لازم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]". ومثاله: إعمال المجتهد دليل خصمه ، القائل بعدم فسخ نكاح الشغار ، في لازم مدلوله الذي هو ثبوت الإرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار فيما إذا مات أحدهما، فالمدلول هو عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر، فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت الإرث إذا مات أحدهما.
المطلب الرابع : أهم خصائص المذهب المالكي